العمالة الأجنبية . ما بين اتفاقيات الاستجلاب و الدخول الغير قانوني
في الآونة الأخيرة وقعت السلطات الليبية عدد من الإتفاقيات لتنظيم جلب العمالة الوافدة من عدة دول آخرها إتفاقية أُبرمت مع نيجيريا وسبقتها إتفاقية أخرى لجلب مليون عامل من مصر و ذلك للمساهمة في مشاريع الإعمار المختلفة في ليبيا . في المقابل تعاني ليبيا من تدفق موجات المهاجرين غير القانونيين من دول جنوب الصحراء في ظل عدم القدرة على السيطرة على الحدود المترامية للبلاد و تأمين دخول الوافدين عبرها ، ،حيث بلغت أعدادهم بحسب احصاءات الأمم المتحدة 796 ألف مهاجر من جنسيات مختلفة، معظمهم يمتهنون أعمالا مختلفة و متنوعة ، ما يميز وجودهم جميعا هو عدم حصرهم بشكل رسمي ضمن منظومة خاصة لتنظيم وجودهم و عملهم بالبلاد، مما يزيد من احتمالية مواجهتهم لعدة مشاكل تخص حقوقهم بالاضافة الى كون وجودهم بهذه الطريقة قد يكون هو أيضا مصدرا للمشاكل و فرصة لأنشطة غير مشروعة قانونا .
“أتيت الى ليبيا بشكل غير قانوني مع عائلتي عبر مسارات صحراوية مع أخي وعدد من الفتية النيجريين ” هذا ما قاله هارون المهاجر النيجري والذي يبلغ من العمر 23 عام . وأضاف متحدثا بينما كان يمارس عمله كميكانيكي بأحد الورش جنوب العاصمة ” أريد أن ان أعمل وأجمع مبلغا جيدا من المال وأعود إلى عائلتي ولا أهدف لركوب البحر للضفة الأوروبية ” وأوضح هذا الشاب النيجري أن الهجرة لأوروبا ليست هدفاً لكل المهاجرين الموجودين بليبيا ،حيث تشكل ليبيا لبعضهم فرصة عمل غير متوفرة في أوطانهم ” و أضاف أيضا ” أخي عمل لسنتين هنا حتى يجمع المال ليركب قارب مطاطي ويهاجر إلى أرض الأحلام , آخر مرة تحدث معي فيها كانت قبل 5 أشهر وهو موجود في فرنسا ولم يحصل على عمل ويخطط للهجرة إلى المملكة المتحدة ” .
ويعتقد باحثون مهتمون بقضايا المهاجرين غير القانونيين بأن أعدادهم قد تتجاوز بكثير الأعداد المسجلة بمنظومة الأمم المتحدة وقد تصل لأكثر من مليون ونص مهاجر، مع وجود بعض الدول الداعمة لتوجه إعادة التوطين في دول العبور لإنشاء محطة للمهاجرين على الساحل الجنوبي للمتوسط .
“كان من الأجدر أن يتم تنظيم هؤلاء المهاجرين الموجودين هنا والذين يعتبرون قوة بشرية بدل توقيع عقود إستجلاب لأعداد جديدة من العمالة ” هذا ما قال الأكاديمي في مجال الإقتصاد والمهتم بجانب الموارد البشرية علي التاورغي وأضاف ” على الرغم من قانونية وتنظيم العمالة المستقدمة وفق الإتفاقيات الموقعة مؤخراً إلا أن إستقدام هذا العدد والذي يحتاج إلى مساكن وأكل وشرب من شأنه أن يثقل الاقتصاد الوطني , ولو تم حصر وتنظيم المهاجرين الموجودين بعقود عمل عادلة كانت لتكون صفقة رابحة للطرفين ” .
“حاولت الهجرة عدة مرات وتعرضت للسرقة في أكثرها , أما محاولتي الاخيرة فقد تعرضت خلالها للإعتقال بعد إنطلاق القارب بقليل ” بيتر مهاجر غاني يبلغ من العمر 31 عاماً تحدث عن محاولاته بحسرة وألم ” أعمل كثيراً حتى أجمع المبلغ الذي يوصلني إلى أوروبا لكنني لم أفقد الأمل في الوصول إلى القارة الاوروبية ” وتحدث بيتر عن سنواته الخمس التي قضاها في ليبيا قائلاً “عشت هنا في السلم والحرب واستغرب من بعض ما أسمعه عبر القنوات والمواقع الإخبارية عن تجارة البشر في ليبيا وسوء المعاملة ” وقال بصوت مرتفع قليلاً :” حصلت على عمل هنا بمقابل لم أحصل عليه في وطني وعاملني الليبيين بشكل جيد جداً , الأشخاص السيئيين موجودين في كل مكان وحتى الليبيين انفسهم يقعون في شر أعمال هؤلاء الأشرار ” و أضاف بيتر ضاحكاً مع بعض التناقض في أقواله :”تعمل هنا بألف دينار شهرياً وهو مبلغ جيد للعيش لكن قيمته لا تتجاوز 200 دولار , لا أستطيع إرسال هذا المبلغ لعائلتي في غانا فهو ضئيل بعض الشيء ولكن في أوروبا يتلقى العاملون مرتبات مرتفعة تمكنني من بناء مستقبلي “
تنظيم وجود العمالة الاجنبية في ليبيا لا يزال يحتاج الى العديد من الجهد و العمل فمن جانب فإن الاتفاقيات الرسمية مع الدول قد تمكنك من استجلاب العمالة المدربة و المصنفة فنيا حسب احتياجات البلاد , و من جانب آخر فانها تلزم الدولة بالالتزام بتوفير حد أدنى من الأجور , كما أن العمالة التي تدخل البلاد بشكل غير قانوني تملأ البلاد دون أي تنظيم لتواجدها حيث تعمل معظمها دون أي اجراءات رسمية , و ما بين الاستجلاب القانوني و التواجد الغير قانوني تظل الفرصة قائمة للدولة لتنظيم هذا التواجد و استغلاله بالشكل الأمثل للمساهمة في مشاريع الإعمار المختلفة .