معاناة مزدوجة لأصحاب الأمراض المزمنة مع ارتفاع أسعار أدويتهم.
منذ اكثر من 9 سنوات ضربت البلاد موجة عاتية من إرتفاع الإسعار على جميع الأصعدة وذلك بعد تدهور الأوضاع والأزمات الاقتصادية والمالية المتلاحقة ، موجات لم يسلم منها شيء وأصبحت تكدر المواطن وتزيد من معاناته عاماً بعد عام ، السلع غذائية العقار السيارات مواد البناء وغيرها.
ولعل أكثرها حدة على المواطن هو ارتفاع أسعار الأدوية والمستلزمات الطبية حيث يعاني من زيادة رهيبة في سعر الدواء، وخاصة الأدوية المخصصة لأصحاب الأمراض المزمنة كالسكري وأمراض القلب والربو والأورام.
“كنت في السابق احصل عليه مجاناً من المركز الصحي والآن أشتريه بملبغ باهض للغاية ” هذا ما قاله من أمام احدى الصيدليات الكبرى في طرابلس محمد التركي البالغ من العمر 28 عام والذي يعاني من “الاكزيما” منذ أكثر من 10 سنوات ويضيف : ” ثمن المرهم الذي أستعمله كل يوم 175 دينار وهذا يقدر بأكثر من ربع راتبي الشهري ، ولا يكفيني لأكثر من 21 يوماً ” ويضيف بعجز واضح وقلة حيلة :” عندما يتأخر الراتب أو أعجز عن سحبه من المصرف أظل بلا دواء ، وتسوء حالتي ، جلدي يصبح مائل للزرقة ويخافني أطفال العائلة “.
وتعتمد البلاد بشكل كامل على إستيراد الأدوية من الخارج حيث توقفت المصانع المحلية عن العمل منذ فترة ، وعلى الرغم من تخصيص الدولة لميزانية ضخمة لدعم هذه الأدوية فاقت ال3 مليار دينار للعام المنصرم إلا أن أسعار الأدوية تواصل الصعود.
ويرى الباحث الاقتصادي محمود ناصوف بأن الفوضى الموجودة في أسعار الأدوية سببها وجود بورصة غير رسمية للأسعار تتمثل في “سوق الدريبي” والذي يعمل بعيداً عن سلطة الدولة وتجاره هم من يحددون السعر من خلال المضاربة ويضيف ” الحكومات المتعاقبة لم تقم بواجبها في مواجهة هذا الغلاء إضافة للفساد المستشرى في قطاع الصحة حيث تباع أدوية الأمراض المزمنة المجانية داخل الصيدليات ” .
ويعاني مرضى داء السكري من أوضاع صعبة في ظل إرتفاع أسعار عقار وحقن الانسولين ، ويروي لنا رمضان العماري وهو رجل طاعن في السن عن معاناته ويقول :” انا أعاني السكري منذ أن كنت في الأربعين أي نصف عمري بالضبط ومنذ ست سنوات وصف لي الطبيب دواء آخر غير الذي كنت أحقنه ، ومن سوء حظي أنها أغلى حقن الانسولين “lantus” ووصل سعرها إلى 280 دينار وأضاف وهو يضحك بسخرية لا تخفي ألماً :” تخيل أن راتبي التقاعدي 450 دينار فقط قبل أن يتم تعديله مؤخراً ، وعلبة الحقن تكفيني فقط 18 يوماً ، كان سعر الدواء يتجاوز راتبي الشهري ، احياناً انقطع عنه وتصيبني نوبات سكر قوية للغاية والآن بدأت افقد بصري بعد أن تضررت شبكية عيناي بسبب هذا المرض “.
ويعاني مرضى السرطان بشكل مضاعف عن غيرهم حيث يأكل المرض أجسادهم وينهش ثمن جرعات العلاج الكيميائي جيوبهم بالغاً أسعاراً لا يستطيع المواطن ذو الدخل المحدود تحملتها وهي التي تتنوع وتختلف بتعدد أنواع السرطانات وأماكن الإصابة ويصل أعلاها سعراً إلى حاجز 7000 دينار للجرعة والتي غالباً ما يحتاج المريض إلى أكثر من 7 منها.
ويروي العم حسن الجنيدي من سبها عن معاناته مع سرطان البروستاتا الذي شخصت إصابته به واشتكى من سعر الجرعة التي يضطر إلى شراءها من الصيدليات ويقول: ” اخذ الجرعة الواحدة من دواء الديكابيتيل ب1860 دينار وانا حالياً اتلقى جرعة كل أسبوعين ” وقال بعدما ساعده ابنه على الجلوس على كرسي بحديقة المستشفى الجامعي ” ربما يكون حالي أفضل بكثير من معظم المرضى لوجود ابنائي الذين يتقاسمون حمل ثمن الجرعة ولكن العديد من رفقائي يعانون في جلبها ” .
وتحضر الدولة بيع أنواع معينة من الأدوية في الصيدليات الخاصة وهي التي تدعمها بشكل مباشر ولكنها غالباً تختفي من على ارفف المستوصفات والمشافي ويضطر المرضى لشراءها من الخارج وسط سوق من المضاربات والاحتكار.
ومن داخل سوق الدريبي والذي يعتبر المصدر رئيسي للدواء يتحدث لنا أحد التجار جالساً خلف أكوام من صناديق العقاقير مبرراً إرتفاع الأسعار ويقول ” جائحة كورونا تسببت في رفع السعر في جميع انحاء العالم ، والأسعار مرتفعة من المصدر ” ويضيف التاجر على مضض وهو يقلب في فواتيره كإشارة على نفاذ صبره ” لماذا لا يوضع اللوم على سعر الدولار المرتفع بعد أن تم تخفيضه وفقد 71% من قيمته ونضطر غالباً لشراءه من السوق السوداء ، من المفترض الا يقع علينا اللوم نحن فقط “.
وتتواصل معاناة المواطن الليبي في ظل موجة غلاء يراها لا تتناسب مع مستوى دخله المتواضع ، في انتظار الوعود الحكومية برفع المرتبات واعتماد جدول موحد لها.